ملخص كتاب سر تأخر العرب والمسلمين
1- الخلل يأتي من الداخل
لقد بدأ المسلمون رسالتهم العالمية بداية حسنة؛ فكانوا نموذجًا حسنًا لتعاليم الإسلام، واستفادوا استفادة صادقة من تاريخ الأمم السابقة. كان اختيار الخليفة على أساس الكفاءة ولا شيء غيرها، وكان الخليفة يأخذ بالشورى؛ فتم منع الاستبداد والاستغلال. وبالنسبة للمال العام فقد كان الخليفة خير راعٍ له، يعمل لصالح الإسلام والمسلمين، لا لمصلحته أو شهواته. ثم بدأ التحول، نشأ عن طبيعة العرب أنفسهم؛ فتغيرت معايير اختيار الخليفة، فأصبحت – بعدما كانت تعتمد على الكفاءة – تعتمد على النَّسب؛ فلم يعد الخليفة أقدر الناس على القيادة، ولم يعد يسمع للشورى، وانفرد بالحكم رجل واحد يزعم لنفسه الكثير، ولم تعد هناك أجهزة رسمية للدعوة إلى الإسلام في أنحاء العالم؛ فانتشر الجهل بالإسلام، واعتقد غير المسلمين أن الإسلام دين قتال فقط، وأصبح الحكام يتصرفون في المال العام كما يشاءون من دون رقيب.
ولقد كان علماء المسلمين أول الأمر لا يتبعون إلا الحق ولا يخافون فيه لومة لائم، ثم جاء من بعدهم من يرى أن إرضاء المستبدين من الدين! ولنتأمل معاملة الخلفاء الراشدين للقادة الكبار؛ فهذا الفاروق (عمر بن الخطاب )، لما قُتِل (النعمان بن مقرن ) في معركة (نهاوند )، جاء البريد إلى المدينة يحمل خبر استشهاده، وكان (عمر ) ينتظر الأنباء؛ فلما سمع الخبر، شهق بالبكاء حتى أن الذي جاءه بالخبر فزع لبكائه. هكذا تعامل الخلفاء الراشدين مع القادة والفاتحين. أما في عهد آخر، فإن قادة الجيوش والفاتحين العظماء في المشرق والمغرب لقوا معاملة سيئة، فقُتِل (محمد بن القاسم ) فاتح (السند )، وعُزِل (موسى بن نصير ) فاتح (المغرب والأندلس ).
لقد أصبحت أمة الإسلام تعاني ضعفًا كبيرًا؛ فإحراج يهودي واحد في (روسيا ) يثير عاصفة من الكلام حول حقوق الإنسان، وعداوة السامية، أما مقتل المئات والألوف من المسلمين في (إفريقيا ) و (آسيا ) و (أوروبا ) فالأمر بسيط، ويُنْسَى بسهولة، وأول من ينساه، هم المسلمون أنفسهم.
لماذا هذا التحول الغريب؟ فبعد أن كانت دولة الإسلام دولة قوية يخشاها أعداؤها، أصبحت دولة ضعيفة. الأساطيل الأجنبية لم تكن تجرؤ أن تمر بالبحر المتوسط إلا بعد أن تأخذ الإذن من الدولة الإسلامية، إذ كان المسلمون يفرضون ضرائب على السفن المارة بشواطئهم، ويبقى السؤال أين المشكلة؟
2- مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي
من بدء الخليقة، والنوع البشري يحيا ويبقى بالزوجين الذكر والأنثى، ولكلا الجنسين خصائصه التي فطره الله عليها، وكلاهما يكمل الآخر، وكلاهما ينتسب إلى آدم – عليه السلام – كما عبَّر عن ذلك القرآن الكريم في قوله – تعالي –: "لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ "، ولكن استضعاف المرأة وإنكار حقوقها طبيعة بشرية من زمن بعيد، حتى أن الأوروبيين كانوا يتساءلون: هل المرأة من الجنس البشري العادي كالرجل؟ وهل لها روح مثل روحه؟ والقوانين الأوروبية على مرِّ التاريخ كانت تكرّم الرجل وتنتقص من المرأة، وكان الهنود إذا مات الزوج وجب أن تموت المرأة معه، مهما كانت صحيحة البدن، وكان عرب الجاهلية يتشاءمون لمولد الإناث، ويقوم بعضهم بدفنهم أحياء. هذه بعض النماذج الوحشية لإنكار حق المرأة في الحياة حتى جاء الإسلام؛ فاحترم المرأة، واستبعد كل النظرات السيئة إليها، ورفض أنواع الإهانات التي كانت تلقاها. وشهد المجتمع العربي - على عهد السلف الأولين - المرأة تتردد على المسجد، وتتعلم الدين كما يتعلم الرجال، وقد تقاتل مع المقاتلين، وتدفن الموتى، وراقبت (الشفاء) الأسواق في عهد عمر بن الخطاب وأمرت ونهت وعاقبت وكان عمر يقبل بحكمها على حكمه.
الإسلام رفض جاهلية العرب القديمة في تعاملهم مع المرأة، كما يرفض أيضًا الجاهلية الأوروبية الحديثة، والتقاليد التي تظلم المرأة وتمنعها من التردد على المسجد، واستبعادها من ميدان الأمر والنهي، والتقليل من كفاءتها إن أحسنت، ومضاعفة العقوبة عليها إن أخطأت. تلك عادات من الجاهلية الأولى، والأخذ بها ضد تعاليم الإسلام نصًا وروحًا، قال الله – تعالى- في كتابه: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ". وإذا ادّعى أحدهم الغيرة قائلًا: "المرأة لا ترى أحدًا، ولا يراها أحد "، كأن عصر النبوة كان يقبل المنكر عندما صفَّ النساء صفوفًا في المسجد، وعندما جعلهنَّ عونًا للجيش في بعض المعارك ، والمحزن أن كل من يروج لهذه المفاهيم الخاطئة، هم شيوخ وشباب يَدَّعُونَ أنهم من أهل العلم والفكر، وهم بعيدون كل البعد عن العلم والعلماء.
3- هل الإسلام دين عدواني؟
هناك من يتهم المسلمين بأنهم عدوانيين؛ فَمَنَ الذين هاجمهم المسلمون؟ في حياة النبي نفسه قاتلوا الرومان في (مؤتة ) و (تبوك )، فَمَنَ الذي جاء بالرومان إلى (مؤتة ) و (تبوك ) رغم أنها بلاد عربية؟ إن الرومان هم من احتلوا (سورية ) و (مصر ) وغيرها من الأراضي العربية. كيف يُعتبر احتلالهم لأراضي الآخرين دفاعًا، وإخراجهم من هذه الأراضي عدوانًا؟ هذا هو منهج الأوروبيون في دراسة التاريخ، وهم يعيدون ما فعلوه قديمًا الآن؛ فهم يعتبرون العرب الذين يقاتلون (إسرائيل ) إرهابيين! كيف هذا؟! والعرب هم أصحاب الأرض وسكان مدنها وقراها منذ قرون. وهؤلاء اليهود هم مَنْ يطردونهم من أرضهم ويخرجونهم منها، ولا عجب؛ فهذا هو منهج الغرب دائما؛ فهم بارعون في قلب الحقائق.
لا يقف أمام هذا الطغيان إلا القوة. إن القتال الذي أعلنه المسلمون على الرومان والفرس ما كان إلا لإنقاذ المظلومين، وردّ الحق لأهله؛ فدولة الإسلام تفعل الخير وتدعوا إليه، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وهي مع السلام ضد العدوان، ومع العدل ضد الطغيان، ومع الإنسانية ضد البهيمية، وعندما تقاتل غيرها، فهي محكومة بقول الله – تعالى – : "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
إن عداوة الغرب للإسلام، وحقدهم على المسلمين واضحان لا يقبلان الشك، وأفعالهم تدل على ذلك؛ فعندما تَمَكَّنَ الصليبيون من دخول (بيت المقدس )، وقتلوا بوحشية أربعة آلاف في مخيمات الفلسطينيين بـ (صبرا ) و (شاتيلا )، وما فعله الفرنسيون في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية في مدينة (سطيف )، حيث قتلوا أربعين ألف مسلم؛ لأنهم نادوا بالاستقلال، فَلِمَ اللوم على خلفاء المسلمين الذين ردوا الوحوش عن أرضهم، أو كسروا شوكتهم قبل أن يبدأوا العدوان؟
4- الحاكم الضعيف وأثره في الاضطراب العلمي
كانت دولة الخلافة الراشدة حريصة على سلامة المعرفة التي تصل إلى المسلمين، فقد كان (علي بن أبي طالب ) يراقب المساجد، ويستمع إلى ما يُلْقَى فيها من دروس، وقد أمر بطرد أعداد من المتحدثين إلى العامة، واستبقى (الحسن البصري ) وحده، حتى لا يترك هؤلاء ليفسدوا الأفكار والعقائد. وقد كان الفاروق (عمر بن الخطاب ) يَقِظًا – إلى حد الغِيرة – نَحْوَ كل ما يرتبط بالعقيدة والسلوك، وكان يوصي أمراء الجيوش بجمع الناس على كتاب الله، والإقلال من الأحاديث النبوية، والسبب في ذلك أمران، أولهما: خوفه من الروايات الضعيفة، والثاني: خوفه من عدم فهم الحديث على وجهه.
ولكن الأمر تغير بعدما انتهى عصر الخلافة الراشدة. وتولى أمر المسلمين خلفاء قاصرين عن الحكم؛ ففي العصر العباسي اتجه المسلمون إلى ترجمة تراث أمم أخرى – والحق أن ذلك مطلوب –، إلا أنه كان من الأفضل أن يقوموا بترجمة الإسلام للناس في كل البلاد، لا أن يترجموا للمسلمين أفكار وخيالات الأمم الأخرى. ونحن نتساءل: هل كان المسلمون في حاجة إلى هذه الترجمات الغربية؟ وقد اتُّهِمَ الفكر الإسلامي أنه منقول عن الفكر اليوناني؛ فقالوا: إن القرآن الكريم مأخوذ من الكتاب المقدس! فرد عليهم أصحاب العقول: كيف يؤخذ التوحيد من التثليث؟ وقالوا: الفقه الإسلامي مأخوذ من الفقه الروماني! ورد أصحاب العقول: إن تشريعًا يحث على التيسير والتجاوز عن المدين، لا يؤخذ من تشريع يقضي باسترقاق المدين الذي لا يستطيع الدفع وقد يأمر بقتله! والفارق كبير بين المسئولية في الإسلام والمسئولية عند الرومان .
الإسلام دين كامل يوضح العلاقات الآتية:
علاقة المؤمن بربه على أساس من التوحيد المطلق والسمع والطاعة والاستعداد للقائه – سبحانه وتعالى –.
علاقة المسلم بالدولة التي تحكمه: كيف يتم اختيار الخليفة؟ وكيف تتم الشورى؟ وما نظام النصيحة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى؟
علاقة المسلم بالمجتمع: كيف يتعامل المسلم مع الأهل والأقارب والجيران، وسائر الناس في المجتمع؟
علاقة المسلم بالبيئة والحياة الدنيا، وكيفية تسخير البيئة من أجل نشر رسالة الإسلام.
5- الفكر الديني المغشوش
الصحوة الإسلامية المعاصرة مهددة من أعداء كثيرين، والغريب أن أخطر خصومها هو نوع من الفكر الديني لبس ثوب السلفية، وهو أبعد الناس عن السلف. هذا الفكر الذي يتعصب لرأيه، ويهاجم كل من خالف هذا الرأي ويصفه بأنه خارج عن السنة؛ فإن زعيم السلفية الأسبق في (مصر ) الشيخ (حامد الفقي ) حلف بالله أن ( أبا حنيفة ) كافرٌ، وقد أُقِيمَت محاضرة في مقر السلفية في (حي الزيتون بالقاهرة ) تحت عنوان ( أبو حامد الغزالي الكافر ).
هذا التفكير المريض لا نتيجة له إلا تمزق الأمة وضياعها. وقد لاحظتُ ثلاث نتائج لهذا العلم المغشوش: الأولى أن بعض الطلاب – الذين لا يحسنون إعراب جملة – يقولون عن الأئمة: هم رجال ونحن رجال! قلت: إن الشعب الإنجليزي لا يتناول رئيسته ( تاتشر ) بهذا الأسلوب، بل يحترمونها ولا يتطاولون عليها، والنبي – صلى الله عليه وسلم – أوصانا في حديثه: "ليس مِنَّا من لم يُوَقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه "، والثانية أن نفرًا من العمال والفلاحين تركوا أعمالهم الحِرَفية أو الفنية، مكتفين بثوب قصير، أو إطلاق لحية، أو ارتداء عمامة لإثبات أنهم متدينين. أما الملاحظة الثالثة: فإن علماء (روسيا ) و (أمريكا ) يقظين في محاربة الإسلام، يجتهدون في إبراز الجماعات المتطرفة، ويحاربون الفكر المعتدل، أو الإسلام الصحيح، ويشعلون حروبًا داخلية تقضي على الإسلام ومستقبله. ماذا يكسب السلفيون من شتم (الأشعري ) و (الرازي ) و (أبي حامد الغزالي ) و (القرطبي ) وبقية علماء المسلمين؟ إن أمتنا شغلت نفسها بفروع الفقه والترف العلمي بدلًا من أن تشغل نفسها بالتربية الأخلاقية.
6- التخطيط الصحيح لبناء الأمة
إن الله يوصي المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر. وكان المفروض في مجتمع حكيم متزن أن ييسر الزواج ليمنع الزنا، وأن يجمع الزكاة حتى يحارب الفقر، وأن يبني المدارس حتى ينشر العلم، وأن يؤسس المطابع لنشر الكتب؛ فالتقاليد التي تمسك الأمة وتمنع ميزانها من الظلم تحتاج إلى عقل وضمير، إلا أن المسلمين يعيشون بلا هدف، ويجتمعون ويتفرقون بلا وعي ولا انتماء. ويستحيل أن يقوم للإسلام مجتمع بعد هذا التفكك. ولن تقوم لنا قائمة إلا بالتخطيط الصحيح لإعادة بناء الأمة بالشكل الذي أنزله الله في كتابه ليحق الحق، ويبطل الباطل، ويحترم تقاليد الشرف، ويضع دعائم الأخلاق.
والإسلام طلب من أتباعه إتقان علوم الدنيا لأمور ثلاث:
أولها: تعمير الأرض جزء من رسالة الإنسان على ظهرها، وجزء من العبادة التي خُلِقَ من أجلها، وجزء من التعب الذي يصون به نفسه وأهله وشرفه.
والثاني: الله لم يخلق الإنسان ليشقى، ويجوع ويعرى، بل خلقه مُكَرّمًا، يحمله ما في البر والبحر، وأحل له الطيبات ويسر له الزينة والجمال، بما فوقه من نجوم وما بين يديه من زرع.
والثالث: الجهاد المكتوب على المؤمنين لحماية الدين لا يمكن أن يتم ولا أن ينجح بعيدًا عن التفوق المدني والحضاري.
والأمة الإسلامية كي تكون على مستوى دينها، وكي تنجح في المحافظة عليه، وكي تستطيع إفهامه للآخرين؛ لابد أن تكون متقدمة في شئون الحياة كلها، وتكون كلمتها مسموعة في آفاق العالم برًا وبحرًا وجوًا.
إن ذلك يؤكد الحاجة إلى علماء متمكنين في جميع المعارف الإنسانية، ووظيفة هؤلاء العلماء هي أولًا: تعليم المسلم العادي أساسيات العلم التي يحتاج إليها كل إنسان ليعبد ربه، وثانيًا: النظر إلى أساليب الدعوة إلى الله وطرق شرح الإسلام خارج أرضه، والرد على الشبهات التي يرددها أعداء الإسلام.
أصبح هناك أزمة مخيفة في علماء الدين واللغة؛ حيث بدأوا ينقرضون دون وجود من يعوضهم. وقد كان هؤلاء العلماء كثرة في العصور القديمة، ثم بدأوا يتناقصون شيئًا فشيئًا، ثم جاء عصر المتأخرين من الفقهاء وكانوا أقل من السابقين في الوعي والذكاء. وأخيرًا جاء دور أنصاف العلماء، وقد اقتحموا أبواب الدعوة والفتوى وأحدثوا فوضى شديدة؛ لذلك فإن الأمة الإسلامية تفتقر إلى علماء من طراز رفيع، والفقر الثقافي الذي حل بتراثنا من زمن بعيد أتاح للاستعمار أن يصنع بنا ما يشاء، وَخَنَقَنَا الجهل بعلوم الدين والدنيا.
7- جيل راح ضحية الجهل
إن تقصيرنا العلمي قد سمح للعدو بمهاجمة عقائدنا وشرائعنا بكل الطرق، وأصبح يضع سمومه في عقولنا. هذه الأفكار والنظريات أدت بالشباب الجاهل بدينه إلى الإلحاد. ومقولة أن الإلحاد زيادة في المعرفة، أو زيادة في الذكاء هو قول لا أساس له، إن الإلحاد مرض نفسي، قال – تعالى –: " إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ". والحقيقة أن المسلمين هم المسئولون عن ظهور الإلحاد في بلادهم؛ فلولا تقصرينا في أداء رسالة الإسلام الكبرى، ما كانت المعركة بين العلم والدين بهذه الشدة، وما انتشر خطر الإلحاد على هذا النحو المخيف، ولكان لدينا ما يُقْنِع العقل، ولكان لدينا ما يُوَفِّر الكرامة الفردية والاجتماعية للإنسان. إن الإلحاد يتحدَّى، وله الحق في ذلك؛ فقد خلا الجو له، والعلم الديني والتطبيق الديني غير مؤهَّلَيْن للنصر بما يحملان من جراثيم الضعف والعجز.
إن الدين لا يتربص بالمخطئين حتى يعاقبهم، بل يحاول إصلاحهم بدل معاقبتهم، جاء في الصحيح عن (أبي أمامة ) قال: "بينما أنا قاعد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاءه رجل فقال: يا رسول الله أصبت حدًا فَأَقِمه عليَّ، فسكت عنه النبي – صلى الله عليه وسلم –، ثم قال يا رسول الله إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، قالها الرجل ثلاث مرات، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف تبعه الرجل، قال (أبوا أمامة ): فاتبعته أنظر ما يرد عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، فقال: يا رسول الله أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، فقال له: ألست حين خرجت من بيتك قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ قال: بلى، قال: وشهدت الصلاة؟ قال: نعم، قال: إن الله قد غفر ذنبك ". هذه هي صورة الإسلام السمحة التي يحاول الغرب تشويهها، ويساعدهم - عن جهل - ناس يدّعون العلم، والعلم منهم براء، هذا هو الإسلام الذي يجب أن يتعلمه الشباب المسلم؛ حتى يكون قادرًا على مواجهة الفكر الغربي.